السبت، 20 أبريل 2019

37 - 1 ، التقدير الذاتي والشعور بالاستحقاق، م ب


 التقدير الذاتي، والشعور بالاستحقاق



من المؤكد أن رجل القانون يحتاج الى مراكمة المعارف والمعلومات القانونية، ولكن أول ما يحتاج إليه هو مسألة التقدير الذاتي، والشعور بالاستحقاق.

ضعف التقدير الذاتي عامل من عوامل الرسوب في كثير من المباريات بالنسبة للبعض، يجب عدم اغفال هذا الجانب.

كان أحد زملائي يتخيل أنه قاضي، وحقق حلمه، بينما كان غيره يُوقف حبل تفكيره اذا تخيل أنه قاض، زعما منه أنه يخشى أن يطلع ربه على ما في نفسه فلا يؤتيه سبحانه ما يريد، شكل من أشكال تفسيره لقوله تعالى: إ
نْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا ، وإخراج الآيات عن سياقها.
تعلمت مع المتخصصين في علم التنمية البشرية أن الخيال يغلب الإرادة (مثال المدخن الذي يريد ان يقلع عن التدخين، لكنه في خياله مازال مدخنا، بعد أيام سرعان ما يرجع للتدخين) 


ما تريد ان تراه في واقعك يجب ان تتخيله أولا، وتبرمج عليه نفسك، ان تر نفسك قاضيا، اذا كنت لا تر نفسك قاضيا فغالبا لن تحصل على هذا الهدف، الاعداد النفسي هو ايضا من الامور الموازية التي يجب ان تشتغل عليها وأنت تحضر للمباراة. وهنا أيضا لا تتخيل كثيرا حتى لا تحبط كثيرا، هناك من قال ألمك سيكون على قدر الأحلام التي بنيت في خيالك ولم تحقق منها شيء، فلا تبني توقعات كبيرة فيكون ألمك كبيرا فيما بعد عندما تخيب توقعاتك. 
استعن على قضاء حوائجك بالكتمان، حتى اذا لم تتوفق، لم يعلم احد بعدم توفيقك، فيكون ألمك أخف.

إن الشخص الذي يفتقد الشعور بالاستحقاق يقبل مثلاً بوظيفة أقل بمستواه مما تؤهله له ملكاته ومهاراته، ويرضى بمستوى من التعليم أقل مما يستأهله قياساً لقدراته العقلية واستعداداته، ويرضى بخيارات كان يمكنه أن ينال أفضل منها. فلا تقبل يا ابْني بموقع أو موضع أو عمل أو زواج أو صحبة أو بيئة تقلُّ في مستواها عما تستأهله وتستحقه.


ولعل شيئاً من معنى (الشعور بالاستحقاق) هذا، هو ما كان قصده المنفلوطي حين قال في (النظرات): { وعندي  أن من يخطئ في تقدير قيمته مستعلياً، خير ممن يخطئ في تقديرها  متدلياً،  فإنَّ الرجل إذا صَغُرتْ نفسه في عين نفسه، يأبى لها من أعماله وأطواره إلا  ما يشاكل  منزلتها عنده، فتراه صغيراً في علمه، صغيراً في أدبه، صغيراً في  مروءته وهمته، صغيراً في ميوله  وأهوائه، صغيراً في جميع شؤونه وأعماله،  فإن عظُمتْ نفسه عظم بجانبها كل ما كان صغيراً في  جانب النفس الصغيرة}.


فإنك في كثير من الأحوال التي ترضى فيها بأقلّ مما تستحق، أي ترضى بالهمّ، على حد تعبير المثل الشعبي، سَتُفاجَأ بأن ذلك القليل ذاته لم يرضَ بك. فكأن الهمَّ إياه لم يقبلكَ رغم أنك قبلته وهو أقلُّ مما تستحق..   وتلك مفارقة كما ترى عجيبة، لكن يبدو أنها عقوبةٌ (من جنس العمل) لمن يقبل بأدنى مما يستحق.


محمد بلمعلم


----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


دروس في المنهجية القانونية، ومفاتيح النجاح 

منشورات أكاديمية القانون الخاص، 
مكان النشر: باريس، 
تاريخ الصدور : يوليوز 2022، 
تحت رقم : 0622. 
تأليف: محمد بلمعلم


لتحميل الكتاب من هنا

 ------------------------------------------------------------------------------------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق